حَضٌّ عَضٌّ، لقاءٌ عقابٌ.
محتقرينَ، كَــ. هــاء مـيم جيم. يستدركون، كاتّهامٍ مخزٍ متلِفٍ، دورَ المثقَّف العضويّ. يطالبونك به يا أستاذُ؟ أنا المخاطَبُ، أنا، حقّاً؟
نضالٌ مَرَضٌ عُضالٌ، فَعَّالٌ لما يريد، ربٌّ تعالى، تعالَ، إليّ، سؤالٌ، هيّا، لكنْ، رِدْفُها، سائرة كالضوء إلى الباب، يتموّجُ. خصرٌ ليّنٌ يهفُّ خلف ثنيات فستانها المزين بقعاً حمراء بيضاء فحميّة. أجملُ تنقّلٍ، كأنه النَّفَسُ مرئياً. هشٌّ ضئيلٌ، مع ذلك، ولعٌ مُرٌّ مهيمنٌ.
استُرُوا المعاصي، أمرٌ يُطاعُ لا يطاعُ أبداً. خيركُمْ أتلفَ الشرَّ. لكننا نُعصَرُ يا سفنُ، يا بحارُ، ياشمسُ. نُعصَرُ ولا نجفّ!
لا أحد يقترب منّا سوى الخشية، سوى المرض، سوى اللعنة. مَنْسَلُ البشر، عارٍ مخبوءٌ مرافِقٌ، يشتكي، إنْ تداعَتْ له سائرُ الأعضاء، فَقْدُهُ، لا يُعوَّضُ. طناجرُ من توتياء لمياه الشرب، تتلاقى ترنُّ، تدقُّ البابَ، امرأةٌ نحيلةٌ: أين أمُّكَ؟ حذاؤها بلاستيكٌ أسودُ، اختصاص كرديات فقيرات، تركتْهُ أعلى الدرج. هذه وصفة طبيبٍ من الشام. تخرجُ قصاصات من علب الأدوية، ترفعها أمامي. سراجٌ وهاجٌ. ثلاث مئة ليرة مَعَها، تحتاج لمثلها!
ثلاث عشرة محاولة فاشلة لإشعال الحطب. حافظُ أسدٍ مهترئٌ على يسار ألف ليرة، كانت خيال رجل يسكّ الموت، الموت الفقير. ألفان ملتصقتان. ورقتان لزجتان ثمنُ جرّة غاز. الآن نحتاج أربعة آلاف، أربع رؤوس لشخص واحد.
تردّدٌ، شرفٌ طاغٍ، جلّابُ كروبٍ. فُوَاقٌ شعبيٌّ. محمَّدُ صالحٍ، مسلِمٌ، غادرٌ، لصٌّ عائدٌ، فقيهُ وعودٍ ونقل شائعات، محتال لُقِّبَ بـ "الدّوْلي"، سيدبِّرُ لنا جرة غازٍ. يسلّم عليكَ الدوليُّ يا مخبولَ الوجوه. سلامٌ ماهرٌ، نابُ أسدٍ خلفه، علامة مكْرٍ ناجحة، يطمئنُّ علينا، نحن الدّودَ، كتفاه من الخلف تأكلان عينك. آزادُ، حرٌّ حبيسُ اسمِه، هو حرامي الحارة، نصف المجنون، يبادلك السلام، إثْرَهُ.
عَيْني بَيْني. نَمْنِيْ، النعاسَ، فقط أرجو واسترحم يا أنتَ، المجهول، كُلِّيّ!
سيغلبنا النعاسُ. على الهاتف، استنجادٌ آخر. رجُلٌ حِبرٌ، سياسي ضليعٌ، متعهد خدمات محلية، سريعُ الكلام، ضحوكٌ، يتكفل تأمينَ الخبز: ارتفع سعر المازوت، أنت تعلم. ارتفع سعر الخبز. نعم. موافقٌ، أنا موافقٌ. ألم ينته النهارُ بعدُ. انتهى النهار، لكن البرد والظلام بلا نهاية.
نجحَ. مَنْ؟ رأيته ليلة أمس، الشابَّ الناشطَ، يحضر اجتماع الدوحةِ، لابتوبٌ على كتفه، واقفاً باحترام حتى ولوج باب خشبي رائع التكوين. وَصَلَ. إلى أينَ، تجمَّدَ السؤالُ داخل فمي.
حزبنا أفضل، حزنُنا، نحن أكثر، حزبنا، تعلَمُ، لدينا جمعية خيرية، وكتيبة مسلحة. أصرخ كاتماً الصرخة اللعينة الملحة: أحزابنا أحقادنا تتعاضّ، كمؤخرات الكلاب تتلاصقُ.
والـ ب ك ك يا ؟ استلموا المخفر، استلموا صالة الرياضة المغلقة، استلموا المدارس، أمن الدولة، مبنى الأمن السياسي، مقر المخابرات العسكرية وسط البلدة، استلموا ذخائرَ الجثثِ كلِّها، هاهم يتمرغون بها، يذيقوننا طَعْمَ الجسد الإنساني.
صورة ضخمة لـ عبد الله أوجلان، نظرة ثاقبة قرب نجمة النضال الوبائيّ. ابتسامة عبد الله أوجلان. شاربٌ فحلٌ، صمدٌ أحدٌ صمدٌ.
كان لحافظ الأسد سنٌّ ذهبية، تلمعُ حين يبتسمُ. كنا نرى سنَّه الغالية. لا سنّ لابتسامة أوجلان، فقط، حواجبُ قويةٌ، شواربُ قوية. عملة العملات، هو الذّهب، السرُّ، هو هو، اللاشعور، الفريدُ؟
علبة شموع جديدة. صناعة تركية. بكم؟ 420 ليرة. واه! كانت بـ 200، قبل أسبوع. ممن اشتريتها يا غبيّ؟ يخجلُ الموصوم، تحمَرُّ خدَّاه، المسكينُ المخدوعُ الخدوم. من قريبنا، ذي اللحية، الهارب من جحيم حلب إلى جحيم الأهل، يصلّي هُوَ في الجامع كلَّ يوم جمعة. قريبنا، آه، عرفتُهُ، هُوَ هُوَ. أخجل أثناء حضوري المآتم، أتقلّصُ، كلّ ما فيّ يتعرّق. حياءٌ، الموت حياءٌ كالعضو، حميمٌ هو، لصيقُ المرءِ حتى موته.
عمَّا يتساءلون؟ عن البلد الأخير. جلبوا الحطبَ، من كلِّ نوعٍ، آه، من كلِّ نوع. سُعالٌ هُوَ حتى مطلَعِ الفجر، حتى مطلع البحر، كنْ مثله، إنْ نجاةً أردتَ أو غرقاً. لا فرقَ. قال يوماً هو كلُّ يوم – عدلٌ أنينُ مسافاتٍ تختنق بين خزي الرفاهية وبؤس الفقر. عسلٌ هو مع ذلك، فقرُنا زهرةُ كلِّ نهارٍ تعضّ الخدود.